تصميم ثانوية أكنسوس من إنجازي الشخصي

الخميس، 8 يناير 2015

التغيرات المناخية وتدبير الموارد المائية بالمغرب


التغيرات المناخية وتدبير الموارد المائية بالمغرب
بقلم ذ: عبد الصمد الخبيش
الثانوية التأهيلية أكنسوس الصويرة



يساهم الموقع الجغرافي للمغرب في الدورة الهوائية العامة للسطح بدور بارز في تحديد أهم الخصائص المناخية للبلاد، خاصة ما يتعلق بالحرارة والتساقطات التي تتميز في عموميتها بالتباين بين مختلف جهات البلاد. وقد عرف المغرب في الآونة الأخيرة عدة تغيرات مناخية ساهمت بشكل كبير في التأثير على الموارد المائية، مما استلزم التدخل عبر مجموعة من الآليات والتدابير سواء من طرف الدولة أو الأفراد لتجاوز هاته الاكراهات.
إن تواجد المغرب في المنطقة المعتدلة البيمدارية ساهم بشكل كبير في عدم استقراره المناخي، والذي يفسره بالأساس توالي سنوات الجفاف وعدم انتظام التساقطات... وعموما يمكن إجمال الخصائص المناخية العامة للمغرب فيما يلي:
_ درجات حرارة متباينة بين مختلف جهات البلاد، ترتفع في فصل الصيف وتنخفض في فصل الشتاء.
_ مدى حراري مرتفع خاصة بالمناطق الداخلية.
_ فترات تشميس مرتفعة خاصة بالمناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية.
_ ارتفاع حدة التبخر والتبخر-النتح.
_ تساقطات متوسطة بالمناطق الشمالية وبالواجهات الأطلنتية،وضعيفة في باقي المناطق الأخرى.
_ عدم انتظام التساقطات سواء زمنيا أو مجاليا.
_ نشاط مهم لحكة الرياح.
_ الدور المركزي للضغوط الجوية المرتفعة ( الاصور) ،وكذا التوجيه العرضي في التأثير على الواردات المطرية.
وقد شهدت مختلف مناطق البلاد في الآونة الأخيرة تقلبات مناخية تمثلت بالأساس في عدم انتظام التساقطات، وتركزها زمنيا ومجاليا مما يضفي على معظمها طابع الكارثية، خاصة ما يتعلق بخطر الفيضانات، والذي يرتبط كذلك بضعف التغطية النباتية وبأنماط الاستغلال الفلاحي المكثف الذي يساهم في استنزاف التربة ونشاط التعرية.
وبالموازاة مع ذلك تزداد حدة الجفاف في معظم مناطق البلاد، خاصة الجفاف المناخي الذي يساهم إلى حد كبير في ازدياد الضغط على الموارد المائية المتوفرة خاصة الجوفية منها. كما أن ارتفاع درجات الحرارة يساهم بشكل كبير في نضوب المياه خاصة مع الاستغلال البشري لهاته الموارد بطرق غير رشيدة في الاستعمالات الفلاحية والصناعية أو اليومية.
وقد عملت الدولة منذ فجر الاستقلال على سن سياسة مائية تركزت حول تلبية الحاجيات المتزايدة على هذا المورد الثمين بواسطة توفير العرض، أي بالزيادة في تعبئة الموارد المائية، غير أن هذه السياسة بدأت تظهر محدوديتها وبدأ التفكير يتجه نحو تفعيل سياسة لتدبير اقتصاد الماء ( تدبير الندرة) وذلك عبر إشراك كافة مستعملي الماء في اتخاذ القرار عبر قنوات إدارية وجمعوية متخصصة.
وتمثلت أهم هاته التدخلات في سياسة السدود التي شرع فيها المغرب منذ سنة 1956 باستحداث مجموعة من السدود الكبرى والسدود التلية والموجهة بالأساس نحو تلبية حاجيات القطاع الفلاحي الذي راهنت عليه الدولة في تلك الفترة كقاطرة للتنمية في إطار سياسة المخططات المتبعة. وقد أثمرت هاته التدخلات وأعطت أكلها خاصة بعد انشاء مجموعة من الهيئات و المؤسسات ذات الصلة بتعبئة وتدبير الموارد المائية كالمجلس الأعلى للماء والمناخ، ووكالات الأحواض المائية ،إضافة إلى مؤسسات أخرى قطاعية.
أما على المستوى التشريعي، فقد قامت الدولة بسن عدة قوانين ترمي لحماية وتدبير الثروة المائية، والمحافظة على الملك العمومي المائي، ويعتبر قانون 10_ 95 بمثابة القاعدة القانونية لانجاز تدبير الموارد المائية، وقد مكن من وضع الأسس الملائمة للتدبير التوافقي باشراك جميع الفاعلين في ميدان الماء.
وعموما يمكن القول أن تدخلات الدولة كانت في مجملها تدخلات قطاعية، استهدفت في المقام الأول الاستجابة للحاجيات المتزايدة على الموارد المائية ومحاولة تدبيرها وعقلنتها، لكن في المقابل لا يمكن إغفال الدور الكبير الذي لعبته المؤسسة التقليدية ( الجماعة ) في هذا الخصوص، خاصة فيما يتعلق بتوفير الحاجيات المائية للقبيلة أو الدوار أو في عملية توزيع وتدبير الاستغلال. وتعتبر السفوح الجنوبية للأطلس الكبير و الصغير أهم مثال على الدور المركزي الذي لعبته الجماعة في مجال تدبير المياه، إظافة إلى العديد من الواحات المنتشرة بالجنوب المغربي، والتي لازالت تعتمد إلى حدود الساعة على هاته الأنظمة التقليدية، خاصة تحديد فترات السقي وتوزيع حصص الماء، إظافة الى انشاء وصيانة الخطارات، والتي للأسف الشديد تعرض العديد منها للزوال نظرا للتطورات السوسيومجالية التي عرفتها هاته المناطق.
بالإظافة إلى ذلك تساهم جمعيات المجتمع المدني بدور لا يستهان به في عملية تزويد القرى بالماء الصالح للشرب، وتنظيم السقي، والتي استفادت مؤخرا من تشجيع الدولة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وبرامج تنمية العالم القروي.
إن محاولة القيام بتشخيص عقلاني لوضعية الموارد المائية بالمغرب تظهر مجموعة من الاختلالات التي تستوجب إعادة النظر فيها، خاصة مع الخصاص الكبير الذي تعرفه هاته الأخيرة والمرتبط بالأساس بالتقلبات المناخية الراهنة إضافة إلى المشاكل الأخرى المرتبطة بسوء بتدبير المياه، ومشكل التلوث، سواء بالنسبة للمياه السطحية أو الفرشاة الباطنية، وتزايد الطلب على الماء للاستعمالات اليومية أو الفلاحية، مما يضع مستقبل الثروة المائية بالمغرب في المحك.
وعموما يمكن تلخيص أهم التحديات التي يطرحها مشكل الماء فيما يلي:
_ تراجع نصيب الفرد من الماء بشكل كبير مقارنة مع المعدلات السابقة حيث من المتوقع أن لا يتجاوز هذا المعدل في غضون سنة 2025: 590 م³ للفرد في السنة، وهي نسبة ضعيفة جدا مقارنة مع المعدل المسجل سنة 1990 الذي وصل 1400 م³\ السنة.
_ نضوب الفرشاة المائية وازدياد ملوحتها خاصة بالأوساط الساحلية.
تفاقم مشكل الهجرة نحو المجالات الحضرية و ازدياد حدة مشاكل المدينة.
_ تدهور الأوساط الطبيعية.
_ تدهور التنوع البيولوجي وازدياد حدة التعرية.
_ ازدياد عنف وحدة الجريان السطحي.
_ تدهور القطاعات والمجالات الاقتصادية المرتبطة بالماء خاصة ما يتعلق بالمدارات المسقية.
...
إن مقاربة موضوع التغيرات المناخية في علاقته بتدبير الموارد المائية بالمغرب يستلزم القيام بتشخيص مفصل للموارد المائية المتاحة، والقيام بدراسات مفصلة اعتمادا على خرائط مناخية في علاقتها بالثروة المائية، إضافة إلى مراجعة أساليب وطرق الاستغلال اللاعقلاني، وتفعيل دور المؤسسات الفاعلة في هذا المجال، و العمل على التنسيق بينها، وكذا تفعيل المنظومة القانونية، دون إغفال البعد التشاركي وأهمية السكان في تدبير هاته الثروة المائية.

0 التعليقات:

إرسال تعليق